الصحة العقلية لشباب العراق

.

المقاله تحت باب  مقالات و حوارات
في 
25/07/2007 06:00 AM
GMT



مقدمة:

من السهولة تعريف المرض النفسي (مثل الفصام والكأبة والهوس وغيرها) حيث حدوده واضحة نسبيا، الا ان مفهوم الصحة العقلية ظهر في ميدان القيم والدين والحكمة. ودفع البحث العلمي ببطء مفهوم الصحة العقلية من المفاهيم الدينية الى ميدان العلم. وعندما ظهر تقييم الوظائف الاجمالي فاصبح اداة قياس للصحة العقلية في ميدان الطب النفسي 1. فاضحت الصحة العقلية حالة من الاداء الناجح للوظائف العقلية لتبرز عنها نشاطات منتجة، وعلاقة متطورة مع البشر وقابلية للتأقلم والتعامل وتحمل المتغيرات. وهكذا فان الصحة العقلية لا تعني الخلو من المرض فقط.

لقد برزت قبل ذلك عدة مفاهيم، ومنها اعتبار الصحة العقلية حالة تفوق القدرات الطبيعية من اجل زيادة قدرات الانسان على العمل وحب البشر، وهناك من اشار اليها باعتبارها حالة نفسية ايجابية ومثالها هرم ماسلو لحاجات الانسان. وقدمها البعض الاخر بالذكاء الاجتماعي حيث القابلية على تقليل تاثير القلق والتوتر والقابلية على التحادث لبناء علاقات حميمية وقابليات على تركيز العواطف. واحيانا يشار لها بالنضج حيث تعكس الصحة العقلية نضج الانسان خلال تقدمه بالسن. واخيرا تعكس الصحة العقلية الشعور بالسعادة ومقاومة التوترات في الحياة، ويتاثر مفهوم الصحة العقلية بالثقافة السائدة في المجتمع.

ومن مكونات الصحة العقلية، السعادة الذاتية (القناعة بالحياة والعواطف الايجابية وذاتية العمل) والرفاهية النفسية (العلاقات الايجابية والغاية من الحياة وقبول النفس) والذكاء الاجتماعي (التقمص العاطفي وادراك الانفعالات النفسية والسيطرة عليها)، وهكذا تشير الصحة العقلية للازدهار في الحياة مع مستويات عالية من السعادة العاطفية والاجتماعية اضافة لانعدام المرض 2.

العالم اليوم ضمن العولمة (الاليات التي تزيد من انحلال واختفاء الحدود التي تفصل بين الافرادوالمجتمعات)، فتأثرت الاضطرابات النفسية وانتشارها عن التغيرات في العالم. فتؤثر العولمة على انتشار الامراض النفسية من خلال تاثيرها على هوية الفرد والجماعة، ومن خلال الفوارق الاقتصادية وكذلك انتشار المعرفة النفسية وشكلها. وقد لاحظ العلماء بان التمدن (زيادة نسبة سكان المدن الى سكان البلاد) يسبب زيادة واضحة في انتشار اضطرابات السلوك، وخاصة ارتباط التمدن في تحطم اواصر العائلة، وانتشار العنف ضد الزوجات والاطفال وكبار السن، كما تنتشر مع التمدن الكأبة والقلق النفسي. ويجد العديد من العلماء بان الانحرافات الاجتماعية ترافق التمدن بسبب التنافس والصراع الطبقي واشكالية التأقلم وكذلك التقليد 3و4.

البحث في الصحة العقلية موضوع مهمل في العالم العربي، وقد راجع احدهم البحوث المنشورة في المجلات العلمية العالمية حول الصحة العقلية في الانترنيت للفترة 1987 – 2002، فوجدها تشكل 1.2% من كل البحوث المنشورة من العالم العربي في الطب وعلومه الاخرى. وكانت الكويت والسعودية ومصر الاقطار الرائدة في البحوث المنشورة عن الاضطرابات النفسية بين الاطفال والمراهقين. وظهر بحثان فقط في العراق عن الاضطرابات النفسية منشورة لتلك الفترة فقط.

تشير البحوث من مختلف الاقطار الى تاثير الحروب على الصحة العقلية والنمو النفسي للاطفال من مختلف الدول (اسرائيل والكويت وفلسطين ورواندا ولبنان وكرواتيا والبوسنة والعراق) (اهتم علماء نفس من السويد بتاثير الحرب على النمو النفسي للاطفال في العراق ونشروا عدة بحوث عن متابعتهم لاطفال داخل العراق بعد حرب 1991) 5. وينتج عن الحروب تغيرات في البيئة حول الطفل (ينتشر الفقر والموت وتدهور البناء التحتي)، ويصبح الاباء المتعبين لتامين حاجات العائلة الاساسية اقل اهتماما للعناية باطفالهم. وتختفي من بيئة المنزل الحاجات الاساسية والالعاب والكتب والفرص الاخرى التي تتيح التعليم الذاتي. ان التعرض لصدمات الحرب يؤثر سلبا على التركيز لدى الاطفال وكذلك على الانتباه والذاكرة. واشارت عدة بحوث الى اضطراب الوظائف العقلية عند التعرض للعنف والارهاب، وكذلك الاصابة بسوء التغذية حيث اصيب اطفال العراق بشكل مخيف اثناء الحروب التي خاضها والحصار الذي عايشه الشعب لاكثر من عقد من الزمان.

وبعد بحوث استمرت نصف قرن استطاع العلم تحديد مقياس للصحة العقلية، يتكون من 13 مؤشرا 6، تعتمد على العواطف الايجابية تجاه حياة الفرد، والدور الايجابي له في الحياة. وعلى سبيل المثال تماثل مؤشرات الصحة العقلية علامات واعراض الكابة، فهناك الحزن والتعاسة والياس لدى المصاب بالكابة، ولدى من يتمتع بالصحة العقلية السعادة او العواطف الحيوية ومشاعر ايجابية تجاه الحياة (الامل). ومثلما لا يؤدي المصاب بالكابة وظيفته الاجتماعية بشكل صحيح، فان من يتمتع بالصحة العقلية ينجز اعماله في الحياة (يؤدي وظيفة اجتماعية بشكل صحيح).

والتمتع بالصحة العقلية الكاملة يعني ازدهار الشخص، واما من لا يتمتع بها بشكل كامل فتعني اشارة لضعفه ووهنه، وهناك من يتمتع بصحة عقلية ذات مستوى متوسط. فقد ظهر من البحوث ان اي شيء اقل من الصحة العقلية الكاملة تعني عدم القابلية على الانجاز مع عوائق تجاه وظيفته بالحياة. والتمتع بالصحة العقلية الكاملة (الازدهار) تعني عدد قليل من ايام العمل المفقودة بالاجازات او الغيابات، ولا ايام عمل تقطع قبل نهاية فترات العمل، ومستويات قليلة من مثبطات للنشاط اليومية، والاصابة بالامراض المزمنة اقل انتشارا بين المتمتعين بالصحة العقلية الكاملة، ويصبح استخدام المؤسسات الصحية اقل لهم، وتقل الحاجة للعناية الصحية بينهم. وعلى صعيد المجتمع، فيسجل من يتمتع بالصحة العقلية الكاملة مستويات متدنية من الادراك بكونه بدون مساعدة، كما يكون لديه مستوى عالي من مقاومة التوترات، ويشعر بانه قريب من العائلة والاصدقاء. وبالامكان الاشارة لمن يتمتع بالصحة العقلية الكاملة بانه يزدهر، ويعمل وينتج افضل من الذي يتمتع بالصحة العقلية بمستوى متوسط، والاخير عمله افضل ممن لا يتمتع بالصحة العقلية بشكل كامل (واهن وضعيف).

وتماثل الصحة العقلية في التشخيص المرض النفسي، حيث تفتقد الفحص التشخيصي المحدد، ولذلك تعتمد على تجميع الاعراض والعلامات لكل حالة. ولتشخيص التمتع الكامل بالصحة العقلية الكاملة (ازدهار بالحياة)، فعلى الفرد ان يظهر مستويات عالية على الاقل في واحدة من مؤشرات العواطف الايجابية، وكذلك مستويات عالية في ستة من مقايس الوظائف النفسية والاجتماعية. اما الاشخاص الذين يظهرون مستويات واطئة في واحدة من العواطف الايجابية ومستويات واطئة في ستة من الوظائف النفسية والاجتماعية فيتم تشخيصهم بالوهن (لا يتمتعون بالصحة العقلية الكاملة)، ومن لا تنطبق عليهم الازدهار او الوهن، فهم يتمتعون بصحة عقلية متوسطة. وتوضح المفردات التالية المؤشرات السابقة الذكر لتحديد مستوى الصحة العقلية 6 مع مفردات لوصفها.

العواطف الايجابية

مشاعر ايجابية

 

مبتهج عادة، ومشارك بالحياة، سعيد، وهادي ومسالم، ومفعم بالحيوية

حياة معلنة

 

عادة ذا قناعة عالية بالحياة بشكل عام

نشاطات نفسية ايجابية

قبول النفس

 

يحمل اتجاهات ايجابية تجاه النفس، ويحب كل اوجه نفسه وشخصيته، ويعبر عن شكره

النمو الشخصي

 

يبحث عن التحديات يعرف قدراته الذاتية، ويشعر بضرورة التطور المستمر

غاية في الحياة

 

يجد ان حياته الخاصة لها تجاه ومعنى

سيطرة بيئية

 

يمارس قابلياته للاختيار ويشكل بيئته الشخصية لتلائم الاحتياجات

استقلالية

 

يقاد ذاتيا، ومقبول اجتماعيا، ولديه قيم ومعايير داخلية

علاقات ايجابية مع الاخرين

 

لديه او بامكانه تشكيل علاقات دافئة وذات مصداقية، وثقة بالاخرين

نشاط اجتماعي ايجابي

قبول اجتماعي

 

يملك اتجاهات ايجابية تجاه للاختلافات البشرية والاعتراف بها وتقبلها

المساهمة في تطوير المجتمع

 

يؤمن بان الناس والمجموعات والمجتمع لهم طاقات كامنة وبامكانهم التطور ايجابيا

الاسهام في المجتمع

 

ينظر الى نشاطاته الخاصة بكونها مفيدة وتقييم من قبل المجتمع والاخرين

تماسك المجتمع

 

يهتم بالمجتمع والحياة الاجتماعية ويجدها ذات معنى

تكامل المجتمع

 

يشعر بالانتماء للمجتمع

 

طريقة العمل:

في محاولة لتحديد مستوى الصحة العقلية لدى الشباب العراقي فقد تم الحصول على عينة من مسح معارف واتجاهات وممارسات الشباب في العراق لعام 2004. شملت الدراسة 8807 شابا تراوحت اعمارهم من 12 الى 21 سنة، وعدد الذكور مساوي لعدد الاناث تقريبا، وذوي مستويات تعليمية مختلفة. تم انجاز المسح الميداني من قبل فرق متعددة ومتدربة (تتكون الفرق من طبيب ومساعديه مع اختصاصي بعلم النفس) اجرت مقابلات لكل شاب بالمسح ومليء استمارة خاصة تحوي عدة فصول. وشملت بعض تلك الفصول على استبيان الحالة النفسية والاجتماعية، اضافة الى المعلومات الديموغرافية. وتم صياغة الاستبيان الخاصة وعكست محتويات الجدول السابق في محاور عدة، وتوزعت على عدة فصول في الاستمارة. وتمت ترجمة الاسئلة واعادة صياغتها لتلائم الواقع العراقي، وتم شرح ابعاد المسح، وكل سؤال واختيارات الاجوبة المتاحة من اجل الحصول على المعلومات الدقيقة.

النتائج:

تم تحليل المعلومات من نتائج المسح المشار اليه، وتبين ان نسبة الشباب الذين يتمتعون بصحة عقلية كاملة (الازدهار) كانت 5.6%، اما الذين لا يتمتعون بالصحة العقلية الكاملة (الوهن) فكانوا 74.1%، وكان 20.3% من الشباب يتمتع بصحة عقلية متوسطة (شكل 1).

وتحليل النتائج اظهر ان حالة الصحة العقلية تتغير مع العمر، فقد كان 59% من الشباب ذوي الصحة العقلية الكاملة (الازدهار) في عمر 12 – 14 سنة، في حين 10.8% منهم فقط بعمر 18 – 21 سنة (شكل رقم 2). ولم تتغير حالة الصحة العقلية لدى الشباب بين الذكور والاناث جدول رقم 1).

تأثرت حالة الصحة العقلية لدى الشباب بالمستوى الدراسي لهم، فقد كان 26.4% من الذين يتمتعون بالصحة العقلية الكاملة أميين ( لا يجيدون القراءة والكتابة)، و 14.4% من الذين تمتعوا بالصحة العقلية الكاملة قد انهوا الدراسة الاعدادية. اما بين الشباب الواهن (لا يتمتعون بالصحة العقلية الكاملة)، فقد كان 8.9% لا يجيدون القراءة والكتابة (أميون)، وكان 26.7% قد انهى دراسته الاعدادية (جدول رقم 2).

الانتظام بالدراسة له تأثير على حالة الصحة العقلية معنوي، فتوضح بان 61.6% من الشباب الواهن (لا يتمتع بصحة عقلية كاملة) ترك الدراسة، في حين ان 38.4% منهم مستمرا على الدراسة (جدول رقم 3).

وللتدخين تأثير معنوي على حالة الصحة العقلية، فكان معظم الشباب الذي تعود التدخين واهنا، فكان 45.6% من الشباب الذي تعود التدخين واهنا اي لا يتمتع بالصحة العقلية الكاملة. ويتمتع 1.8% من الذين تعودوا التدخين بالصحة العقلية الكاملة (الازدهار).

كانت نسبة الانتشار الاعلى للوهن (عدم التمتع بالصحة العقلية الكاملة) بين الشباب ذوي المشاكل السلوكية، فقد كان 67.6% من الشباب الواهن لديهم مشاكل سلوكية، في حين 94.9% من الشباب المزدهر لا يعاني من المشاكل السلوكية (جدول رقم 4). وتشير المشاكل السلوكية (الاضطراب السلوكية) في هذا المسح الى الاعتقال من قبل الشرطة (لم يتم الاستفسار عن عدد مرات الاعتقال)، وترك المدرسة، وتناول الخمور وتعود شم المواد الكيمياوية مثل اللواصق ومخففات الاصباغ اي التي تحوي المذيبات العضوية وغيرها [i]، ولم يتم طرح سؤال عن المواد المخدرة مثل الحشيشة (الماريوانا) او حبوب الهلوسة (ويطلق على ذلك محليا الكبسلة، فيتناول الشخص كبسولة محلية الصنع تحوي عقاقير من مضاعفاتها الهلوسة او في جرعاتها العالية مثل ارتين والبلدونا وغيرها، والعقاقير المشار اليها تستخدم لاغراض طبية متعددة).

المناقشة:

نسبة الشباب المزدهر (التمتع بالصحة العقلية الكاملة) (5.6%) تقل كثيرا عن النسبة التي تم تسجيلها في الولايات المتحدة الامريكية عام 2006 (40%). وقد تكون هذه النسبة المتدنية (5.6%) للازدهار بسبب تعرض الشباب العراقي للحروب المتكررة والحصار والعنف والحياة على وتيرة واحدة (نمطية) [ii]. وقد اشارت العديد من الدراسات في كثير من البلدان مثل الكويت 8 وفلسطين ولبنان واسرائيل ورواندا 8 وكرواتيا وكذلك العراق 5، اشارت الى التاثير السلبي للحرب على تطور الطفل (نمو الطفل النفسي). وقد حددت بعض الدراسات العالمية بان نصف الاطفال الذين يتعرضون للحرب سيعانون من اضطرابات عقلية في شبابهم. واظهرت دراسات اخرى التاثير السلبي للحرب على الصحة العقلية للجنود المشاركين في حرب الخليج 1991 البريطانيين والامريكيين.

لسوء التغذية اثناء الطفولة تاثيرات سلبية على سلوك الشباب بعدها، وخاصة الاشكاليات السلوكية الخارجية 10 (الاضطرابات السلوكية والسلوك العدواني تجاه المجتمع وغيرها)، وقد تكون الاخيرة (الاشكاليات السلوكية) عامل خطورة لممارسة العنف مستقبلا اي ان هناك احتمال ان يمارس العنف كل من عانى من الاشكاليات السلوكية 11 (يمارس المراهقون والشباب في العراق العنف بشكل لم يسبق له مثيل). وتشير الدراسات الى نسب انتشار عالية لسوء التغذية بين اطفال العراق في الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي، وقد يكون هذا سببا لتدهور الصحة العقلية بين الشباب الان (ولادات الشباب الذين خضعوا للدراسة بين عامي 1983 و 1992).

تؤكد الدراسات الوبائية الى ارتباط عوامل الخطورة حول الولادة مع الاضطرابات النفسية والسلوك الغير اجتماعي، وتشمل عوامل الخطورة المشار اليها سوء التغذية للامهات الحوامل 12 (اي لا تحقق الحامل زيادة الوزن الطبيعية)، وزيادة نسب الولادات بوزن ناقص 13 (وزن الولادة اقل من 2500 غم)، وزيادة في نسب الولادات المسبقة 14 (الولادة بحمل اقل من 37 أسبوع). واشارت دراسات اخرى بان الاطفال الذين ولدوا بوزن ولادة ناقص يعانون في فترة المراهقة من ضعف الانتباه واداء اجتماعي سيء. وقد اكدت دراسات عالمية عديدة الى انتشار سوء التغذية بين الحوامل العراقيات وزيادة كبيرة في نسب الولادات بوزن ناقص 15 (تشير اليونسيف الى نسبة 25% واكثر في نهاية التسعينات 16) وكذلك الولادات المسبقة، وقد تكون هذه من اسباب تدهور الصحة العقلية لدى الشباب وعدم تمتعهم بالصحة العقلية الكاملة (الازدهار) (تشكك وزارة الصحة والبرلمان العراقي بارقام المنظمات العالمية، حيث لم يتعاملوا مع البحث العلمي سابقا).

يرتبط العنف مع الاضطرابات العقلية بشكل لا يمكن عكسه ابدا، وتشير الدراسات العالمية وظواهر الحياة اليومية الى انتشار للعنف لم يسبق له مثيل في العراق مؤخرا، وقد يكون العنف سببا اخر لانتشار الوهن بين الشباب العراقي، وقد تكون هذه علاقة سببية متبادلة.

دخل العراق، كغيره من البلدان، العولمة (الالية التي يزداد بها تفكك وانحلال الحواجز بين الافرد والمجتمعات) مؤخرا. وتغير هذه الالية تفاعل الانسان مع جوانب الحياة مثل الاقتصاد والسياسة والمجتمع والثقافة والبيئة والتكنولوجيا. ان العولمة تغير ادراك الانسان للزمان والمكان وتتغير كذلك طريقة تفكير الانسان 3و4. ان تأثير العولمة على الصحة العقلية والامراض العقلية من خلال التمدن والاعلام والانحرافات الاجتماعية والتطورات العلاجية والفروقات داخل المجتمع. وقد يكون للعولمة دور في تدهور الصحة العقلية للشباب الذي ظهر في هذا التقرير.

تتغير حالة الصحة العقلية مع العمر، فقد قلت نسبة الازدهار (التمتع بالصحة العقلية الكاملة) مع تقدم العمر. وقد تكون هذه الظاهرة نتيجة تراكم التعرض للحروب العبثية التي خاضها العراق ابان النظام السابق. وكذلك تعرض الشباب للسنوات الاصعب للحصار (تحسنت الحصة الغذائية بعد مذكرة التفاهم، ولكن بقت سعراتها الحرارية اقل من الحاجة الطبيعية، ولا تزود الانسان بالفيتامينات). الدراسة الوحيدة في متابعة اطفال العراق بعد حرب 1991 طوال عقد التسعينات من قبل علماء من السويد ضمن مجموعة الدراسة العالمية – هافرد [iii]، وتم نشرها عام 2002 9، في اشارة الى تأثير الحرب السلبي على النمو النفسي لا ينتهي عندما تضع الحرب اوزارها.

لم تظهر فروق معنوية في حالة الصحة العقلية بين الذكور والاناث من الشباب في هذه الدراسة. في حين تشير الدراسات الى ان الاناث تتاثر بنسب اكبر منها بين الذكور، وقد يكون لطول فترة التعرض للحروب والحصار والعنف بشكل متساوي بين الذكور والاناث سببا لهذه النتيجة.وتؤكد معظم الدراسات بان الاضطراب لدى المرأة يتوضح في اشكاليات داخلية (المزاج والقلق) اي لا تؤثر بشكل مباشر على المجتمع. في حين يعاني الرجال من نسب انتشار عالية لاضطرابات خارجية (الاضطرابات السلوكية والسلوك العدواني تجاه المجتمع).

اظهرت هذه الدراسة بان اشكاليات السلوك (الاعتقال وترك المدرسة والتدخين واستخدام المواد بالاستنشاق) تؤثر على حالة الصحة العقلية للشباب. فكان الوهن (عدم التمتع بالصحة العقلية الكاملة) منتشرا بين الشباب ممن عانوا من اشكاليات السلوك المشار اليها. ان هذه النتيجة تؤكد بان اداء الشباب الذين يتمتعون بالصحة العقلية الكاملة (الازدهار) افضل من غيرهم وخاصة الذين يظهرون الوهن. ان معاناة الشباب المزدهر من اعراض الكابة اقل من معاناة الشباب الواهن، ونسب انتشار الاضطرابات السلوكية بين الشباب المزدهر اقل من انتشارها بين الشباب الواهن، وتنتشر بينهم نسب قبول عالية للنفس ويسعون لتطويرها، ويكونون اقرب لبقية الناس، ويتكاملون في المدرسة. الا ان المشكلة ان غالبية الشباب في العراق واهنا (لا يتمتع بالصحة العقلية الكاملة).

ومن ذلك يتضح بان نسبة قليلة جدا من الشباب العراقي يتمتع بالصحة العقلية الكاملة (الازدهار)، اما غالبية الشباب العراقي (ما يقارب ثلاثة ارباع الشباب)فلا تتمتع بالصحة العقلية الكاملة فهم واهنون. ويتغير مستوى الصحة العقلية وفق العمر والمستوى الدراسي والانحرافات السلوكية (الاعتقال وترك الدراسة والتدخين وتناول الكحول). ولا يتمتع معظم المصابين بالانحرافات السلوكية بالصحة العقلية الكاملة (الوهن). وكان اداء الشباب المزدهر افضل من اداء الشباب ذوي المستوى المتوسط من الصحة العقلية واداء الشباب الاخير افضل من اداء الشباب الواهن.

لقد اثرت الحروب والحصار واشكاليات الحصار (سوء التغذية والولادات بوزن ناقص والولادات المسبقة واشكاليات النساء وغيرها) والعنف بشكل سلبي على الصحة العقلية لشباب العراق. وظهر ان غالبية الشباب لا يتمتعون بالصحة العقلية الكاملة، ولذلك يواجه الغالبية منهم اشكاليات في السلوك وخاصة السلوك العدواني واعراض نفسية اخرى.

لقد كانت محاولة لقراءة الصحة العقلية للشباب في العراق من مسح ميداني لمعارف واتجاهات وممارسات شباب العراق لعام 2004 (تحملت تكاليفه مؤسسات عالمية). و تعاظم الارهاب في العراق بعدها، وتحققت له (الارهاب) انتصارات في القتل العشوائي وعلى الهوية (تشير البحوث من المسوحات الميدانية الى ارقام مخيفة لاعداد القتلى في العراق، وتنكرها وزارة الصحة، ولم يقدم احد بديلا عنها، ومن المظاهر الاخرى الخطف والمساومات والفدية وتفجير الجامعات وقصف المدراس بالهاونات وتبادل الهاونات بين احياء بغداد وكأنها بين اعداء والتهجير القسري وسرقة بيوت واثاث المهجرين، وقدم بعض رجال الدين تبرير لكل تلك المظاهر ايات من الذكر الحكيم (تناول ذلك مع الامثلة العديد من المقالات على المواقع الالكترونية). لقد شجعت العوائل اولادها من المراهقين والشباب على تلك التصرفات انتقاما او طريقة للربح! (باع النظام السابق اثاث منازل المحمرة في شوارع البصرة واثاث الكويت في كل شوارع العراق) وغير ذلك. وتعاملت المؤسسات الحكومية بقسوة مع العوائل المهجرة مثل تهديم الدور التي سكنوها واخراجهم بقوة السلاح، وهناك محافظة اشارت الى عدم استقبال المهجرين! وكل ذلك على شاشات الفضائيات. وما اردت ان اقوله بان النسيج الاجتماعي تأثر باشكاليات السياسة (احزاب) واشكاليات الدين (المذاهب)، ومارس العراقيون العنف ضد بعضهم البعض، مع الشكوى والاستنكار لتواجد القوات الاجنبية الغازية!. ولا اعتقد ان الشعب العراقي تمتع بصحة عقلية كاملة في القرن الماضي حيث يخاطبه احد مبدعيه بقوله:

فيالك من شعب بطيئا لخيره

مشى وحثيثا للعمى والتبلد

متى يُدع للاصلاح يحرن جماحه

وان قُيد في حبل الدجالة ينقد

وماذا ترُجي من بلاد بشعرة

تقاد، وشعب بالمضلين يهتدي

المصادر:

1. Valliant GE. Mental health. Am J Psychiatry 2003;160: 1373-1384.

2. Keyes CM, Waterman MB. Dimensions of well-being and mental health in adulthood. In: Bronstein M, Davidson L, Keyes CM, Moore K (editors). Well-being: positive development through life course. Mahwat Nj, Erlbum. 2003, pp. 477-497.

3. Marsella A. Urbanization, mental health and psychosocial well-being. In: Harpham T, Blue I (editors). Urbanization and mental health in developing countries. Aldershot. Avebury 1995, pp. 17-40.

4. Bhugra D, Mastrogianni A. Globalization and mental disorders: overview with relation to depression. Br J Psychiatry 2004; 84: 10-20.

5. Dyregrov A, Gjestad R, Raundalen M. Children exposed to warfare: a longitudinal study. J Traumatic Stress 2002; 15: 59-68.

6. Keyes CM. Promoting and protecting mental health as flourishing. Am J Psychologist 2007; 62: 1-14.

7. Keyes CM. Mental health in adolescence: Is America’s youth flourishing? Am J Orthopsych 2006; 76: 395-402.

8. Llabre M, Hadi F. Health related aspects of Gulf crisis experience of Kuwaiti boys and girls. Anxiety, Stress and Coping 1994; 7: 217-228.

9. Dyregrov A, Guptal L, Gjestad R, Mukanovieli E. Trauma exposure and psychological reaction to genocide among Rwandan children. J Traumatic Stress 2000; 13:3-21.

10. Liu J, Raine A, Venable S, Mednick S. Malnutrition at age of 3 years and externalizing behavior problems at age 8,11 and 17 years. Am J Psychiatry 2004; 161: 2005-2009.

11. Comeri GD. Efforts by the American Academy of Pediatrics to prevent and reduce violence and its effects on children and adolescents. Bull N Y Acad Med 1996; 73: 398-410.

12. Brown A, Van Os J, Driessence C, Hoek H, Susser S. Further evidence of relation between prenatal famine and major affective disorder. Am J Psychiatry 2000; 57: 190-185.

13. Wahlbeck K, forsen T, Osmond C, Barker D, Erickson J. Association of Schizophrenia with low maternal body mass index, small size at birth and thinnes during childhood. Arch Gen Psychiatry 2001; 58: 48-52.

14. Wiles N, Peter T, Heron J, Gunnell D, Emond A. Fetal growth and childhood behavior problems: results from ALPAC cohort. Am J Psychiatry 2006; 163: 829-837.

15. Abdul Latif B, Al-Diwan JK, Al-Hadithi T, Al-Hadi A. Low birth weight and prematurity in the neonatal unit in a maternity and paediatrics hospital in Iraq. J Trop Pediatr 2006; 52: 148-150.

16. UNICEF – Iraq. The situation of children in Iraq. An assessment based on United Nations Convection on right of child. Geneva 2002.

شكل رقم 1 حالة الصحة العقلية بين الشباب العراقي

شكل رقم 2 توزيع حالة الصحة العقلية بين الشباب العراقي وفق العمر

جدول رقم 1 توزيع حالة الصحة العقلية لدى الشباب العراقي وحسب الجنس

حالة الصحة العقلية

الجنس

الوهن

مستوى متوسط

الازدهار

العدد (%)

العدد (%)

العدد (%)

3368 (51.6)

890 (49.8)

263 (53.3)

الذكور

3158 (48.4)

898 (50.2)

230 (46.7)

الاناث

6526 (100.0)

1788 (100.0)

493 (100.0)

المجموع

جدول 2 حالة الصحة العقلية وفقا للمستوى الدراسي

حالة الصحة العقلية

المستوى الدراسي

الوهن

مستوى متوسط

الازدهار

العدد (%)

العدد (%)

العدد (%)

583 (8.9)

343 (19.2)

132 (26.8)

امي

662 (10.1)

273 (15.3)

141 (28.6)

انهى الدراسة الابتدائية

1640 (25.1)

362 (20.2)

114 (23.1)

انهى الدراسة المتوسطة

1746 (26.7)

449 (25.1)

71 (14.4)

انهى الدراسة الثانوية

1895 (29.03)

361 (20.1)

35 (7.1)

مستوى اعلى

6526 (100.0)

1788 (100.0)

493 (100.0)

المجموع

جدول 3 حالة الصحة العقلية لدى الشباب العراقي وفقا لاستمرار الدراسة

حالة الصحة العقلية

متغير الدراسة

الوهن

مستوى متوسط

الازدهار

العدد (%)

العدد (%)

العدد (%)

2505 (38.4)

802 (44.9)

211 (42.7)

طالب

4021 (61.6)

986 (55.1)

282 (57.4)

ترك الدراسة

6526 (100.0)

1788 (100.0)

493 (100.0)

المجموع

جدول 4 حالة الصحة العقلية لدى الشباب العراقي وفقا للانحراف السلوك

حالة الصحة العقلية

 

الوهن

مستوى متوسط

الازدهار

العدد (%)

العدد (%)

العدد (%)

4411 (67.6)

784 (43.8)

25 (5.07)

انحرافات سلوكية

2115 (32.4)

1004 (56.2)

468 (94.93)

لا انحرافات سلوكية

6526 (100.0)

1788 (100.0)

493 (100.0)

المجموع



[i]ظهرت هذه العادة، شم المواد ومنها المذيبات العضوية، في الثمانينات من القرن الماضي بين المراهقين والشباب الذين يعملون في صيانة السيارات وصباغتها او النجارة وانتشرت بعدها بين المراهقين والشباب. لقد التحق معظم الشباب العامل في تلك المهنة قد التحق بالحرب وبرزت على اثرها العمالة الاجنبية في كل القطاعات ودوائر الدولة بشكل يتذكره الكل، ومعها ظهرت مثل تلك الظواهر المؤسفة

[ii]التغني بعبقرية القائد وحكمته وحكمه الرشيد في كل القطاعات من التعليم في دفاتر وكتب ومحاضرات الطلبة الى المعامل في الصور والجداريات واقوال القائد وغيرها، مع قنوات تلفزيونية محددة تمجد القائد وصحف محدودة ، وحزب واحد ...

[iii]اشارت مجموعة الدراسة العالمية من هارفرد الى كل اشكاليات الحرب وقتها، حيث زارت العراق في تشرين الاول 1991 الا ان علماء السويد زاروا العراق مرات عديدة بعدها لمراقبة العينة، اطفال من العراق، في نموهم الجسدي والنفسي